استدامة النجاح

التحسين المستمر
Email : 126k 12k

نواف المحمدي

عضو المجلس السعودي للجودة

 بدا لي وأنا أقرأ في سيرة عمر بن عبدالعزيز  رضي الله عنه سؤالاً قد يكون صادماً تمثل  أمامي  فتساءلت في خضم إعجابي بتلك السيرة النادرة... هل نجح عمر بن عبد العزيز؟ ولا شك أنه  سؤالاً عبثياً في نظر البعض فكيف نتسائل عن نجاح عمر بن عبد العزيز و هو الخليفة الذي عده كثيرا من المؤرخين خامس الخلفاء الراشدين،فإذا ذُكر العدل لم يُنسى عمر وإن استحضرت الرأفة بالمجتمع أتى عمر.. كيف لا وهو الذي مال إلى من لا دار له من المسلمين فأسكنه و من لا مركب له فأركبه ثم نظر إلى المدينين المعسرين فقضى عنهم ولم ينسى الاستقرار النفسي والأسري فأمر بتزويج كل من لم يتزوج .. بل تتجلى الرحمة ويسطعُ من الإسلام وهجه و تتحقق في الإنسانية أسمى معانيها ويأسرك المثال بروعته والسمو بغبطته إذا ما علمت أمره لليهود والنصارى ( عودوا ببعض خيرنا على فقراء اليهود و النصارى حتى يستكفوا).. فإن أرضاك هذا فخذ من الرضا أبلغه ومن النقاء أصفاه ومن الإحساس ما هو أملس من حرير  وألطف من قسمات صبح حانية وأنت تقرأ ما أشتهر عنه بقوله (أنثروا الحب فوق الجبال حتى لا يقال جاع الطير في بلاد المسلمين).

     إن الحضارات الإنسانية اليوم و هي في أوج نمائها و تسارع خطى التطور فيها لم تستطع أن تحاكي هذا النموذج الخالد ولا أن تقدم جذوة من نوره أو شيئاً من شذى رحيقه.. و أنت في هذا كله أبعد إدراكاً و أوسع خيالاً إن استطعت أن تقارن عمر بن عبد العزيز و أفعال عمر بالأمم والممالك التي عاشت في وقته وإن عجزت عن مقارنتها بيومك هذا فأنت عن مقارنتها بذاك الوقت أعجز.

       وأستدرك القول وأعيد طرح ذات السؤال .. هل نجح عمر؟ و الحقيقة أن عمر أبعد ما يكون البعد عن الفشل ولكن الأسى يحيط بكل من يقرأ سيرته لعدم استمرارية نموذج نجاحه بذات المحددات والمعايير إذ أنه رفع طموح المنظمات في القدرة على إحداث التحسين الجذري في فترات زمنية محدودة فاستطاع أن يحقق كل هذه النجاحات في سنتين وأربعة أشهر وحسب،كما انه أعلى من سقف الممكن في التحسين وأضحى معياراً ومقياساً لنجاح كل قيادي يلحق به.

        والحقيقة الجلية أيضاَ أن عمر صارم في إدارته ماضٍ في إقامة العدل دون أي مؤثرات سوى ما يمليه عليه نقاء ضميره وصفاء سريرته فأخذ كتابه بقوة  ولم ووأولم يتأنى في القيام بصلاحياته وتنفيذ مهامه حتى طِيف بالصدقة ولم يعثر على من يأخذها في فترة وجيزة.

    و أمام كل هذا فإني أقف لحظة صدق و أقول بأنه مهما بلغ النجاح الإداري والقيادي لعمر إلا أنه كان عملاً مؤقتاً وفترة عابرة سرعان ما مضت وسطرت في صفحات الكتب تاريخاً جميلاً ونموذجا إدارياً أخاذاً لا يعدوا أن يكون إلا فلتة من فلتات الزمان.

     و لست هنا في سياق الخوض في  نقد نموذج النجاح الإداري لعمر فهو نجاحٌ يسمو فوق كل نقاش ولكني في سياق استخلاص الدرس و نيل العبرة والتفكير في أسباب عدم استمرار هذا النجاح من الناحية الإدارية. 

       والخلاصة التي أود الوصول إليها هي إن القائد الناجح مهما طال عمره وحسنت إدارته وحقق أعلى ما تصبوا إليه منظمته  إلا إنه لا تأثير له في مجمل مسيرة تلك المنظمة إن لم يعمل على خلق المناخ الملائم لاستدامة هذا النجاح  ويسهم في وضع الأسس والنظم الواضحة والملزمة عبر عمل مؤسسي يكفل مسيرة التحسين المستمر لتحلق منظمته بجناحي الجودة والحوكمة ففي الأولى كفاءة وإتقان وفي الثانية ضبط وانتظام.

الوسوم :

مقالات ذات صلة