الكاتب مهندس: إبراهيم نور
في عصر تتسارع فيه التغيرات التقنية والاجتماعية والاقتصادية، أصبحت المؤسسات التعليمية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتبنّي أنظمة فعالة لإدارة الجودة التعليمية، وتحقيق رضا المتعلمين، وتعزيز الأثر المجتمعي. من هنا، جاء الإصدار الجديد من المواصفة الدولية ISO 21001:2025 وهو الإصدار الثاني والذي صدر بتاريخ 7 يوليو 2025 ليشكل نقلة نوعية في توجهات إدارة التعليم، ويقدم إطارًا حديثًا يدعم المؤسسات التعليمية في بناء منظومات تعليمية مرنة، شاملة، ومتمركزة حول المتعلم.
ما هي مواصفة ISO 21001؟
ISO 21001 هي مواصفة دولية أُصدرت لأول مرة عام 2018 من قبل المنظمة الدولية للتقييس (ISO)، وتهدف إلى إنشاء نظام إدارة مخصص للمؤسسات التعليمية بجميع أنواعها، سواء كانت حكومية أو خاصة، ربحية أو غير ربحية. وتستند المواصفة إلى مبادئ إدارة الجودة المستمدة من ISO 9001، ولكن مع تركيز خاص على عناصر التعليم والتعلم، مما يجعلها مواصفة تعليمية متخصصة وليست مجرد نظام للجودة التقليدية.
تُعنى المواصفة بتحقيق التوازن بين الاحتياجات الفردية للمتعلمين وبين أهداف المؤسسة التعليمية، وتساعدها في تقديم محتوى تعليمي فعال، وبناء بيئة تعليمية داعمة ومُمكّنة، وضمان التحسين المستمر في الأداء التعليمي والإداري.
ما الجديد في إصدار 2025؟
جاءت نسخة ISO 21001:2025 لتواكب التحولات الجذرية التي يشهدها قطاع التعليم عالميًا، لا سيما بعد جائحة كورونا التي أعادت تشكيل أساليب التعليم والتفاعل التربوي. ويمكن تلخيص أبرز ملامح التحديث فيما يلي:
1. التحول الرقمي والتعلم المدمج
المواصفة الجديدة تؤكد على أهمية تبنّي أدوات التحول الرقمي، وتُدخل مفاهيم مثل التعليم عن بُعد، والمنصات الرقمية، والتعلم الذاتي ضمن عناصر التقييم الأساسية لأنظمة الإدارة.
2. التركيز على الشمول والعدالة التعليمية
تعزّز المواصفة معايير التعليم الشامل، الذي يراعي احتياجات جميع فئات المتعلمين، بمن فيهم ذوي الإعاقة أو صعوبات التعلم، وتضع التنوّع والعدالة في قلب النظام الإداري للمؤسسة.
3. الربط الاستراتيجي بين نواتج التعلم والرؤية المؤسسية
تشدد المواصفة على ضرورة أن تكون نواتج التعلم واضحة، قابلة للقياس، ومرتبطة بالأهداف الاستراتيجية للمؤسسة التعليمية، لضمان التوجّه المستدام والفعّال.
4. تعزيز العلاقة مع أصحاب المصلحة
توسّعت دائرة أصحاب المصلحة في إصدار 2025 لتشمل الطلاب، وأولياء الأمور، وسوق العمل، والمجتمع المدني، بما يعزز من قيمة المشاركة المجتمعية والتفاعل المتبادل.
5. مؤشرات أداء تعليمية قابلة للقياس
تشجع المواصفة على وضع مؤشرات أداء تعليمية دقيقة تساعد الإدارة على اتخاذ قرارات مبنية على بيانات وتحليلات حقيقية، بدلاً من الافتراضات.
أهمية ISO 21001:2025 للمؤسسات التعليمية
تطبيق المواصفة يوفّر مزايا تنافسية حقيقية للمؤسسات التعليمية، منها:
تحقيق رضا المتعلمين من خلال تصميم تجربة تعليمية تتناسب مع احتياجاتهم وتطلعاتهم.
رفع الكفاءة التشغيلية والإدارية وتقليل الهدر في الموارد.
تيسير الحصول على الاعتمادات المحلية والدولية.
بناء ثقافة التحسين المستمر والابتكار داخل البيئة التعليمية.
تعزيز الشفافية والمساءلة أمام المجتمع والمؤسسات الرقابية.
توسيع فرص التعاون المحلي والدولي مع جهات تعليمية ومهنية.
من يمكنه تطبيق المواصفة؟
ISO 21001 ليست حكرًا على الجامعات أو الكليات الكبرى، بل يمكن لأي مؤسسة تقدم خدمات تعليم أو تدريب – مثل المدارس، المعاهد، الأكاديميات، مراكز التدريب المهني، أو حتى منصات التعليم الإلكتروني – أن تستفيد من تطبيقها.
التكامل مع أنظمة إدارة أخرى
تتميّز المواصفة بهيكلها المتوافق مع معايير ISO الأخرى، مثل:
ISO 9001: إدارة الجودة
ISO 45001: الصحة والسلامة المهنية
ISO 14001: الإدارة البيئية
ISO/IEC 27001: أمن المعلومات
هذا التكامل يُمكّن المؤسسات من بناء نظام إدارة موحد يُغطي كافة الجوانب التنظيمية والإدارية والتعليمية.
خطوات تطبيق ISO 21001:2025
تحليل الفجوات بين الوضع الحالي ومتطلبات المواصفة.
تصميم نظام إدارة تعليمي يراعي الخصائص الفريدة للمؤسسة.
تدريب العاملين على المفاهيم والمتطلبات.
تنفيذ النظام ومراقبة الأداء.
إجراء المراجعات والتحسينات الدورية.
الاستعداد لعملية التقييم والاعتماد من جهة مانحة.
خاتمة: التعليم وفق معيار عالمي
لم تعد جودة التعليم خيارًا، بل ضرورة وجودية لأي مؤسسة تسعى إلى البقاء والتأثير والتميّز. ومواصفة ISO 21001:2025 تمثل تجسيدًا عمليًا لمفهوم الجودة في التعليم، حيث تمكّن المؤسسات من بناء أنظمة تعليمية قائمة على الفاعلية، والمشاركة، والتحسين المستمر.
إن تبنّي هذا المعيار ليس مجرد إجراء إداري، بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل المؤسسة ومخرجاتها التعليمية والمجتمعية.